فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

إنه تعالى ختم الآية بالتهديد فقال: {واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنفُسِكُمْ فاحذروه} وهو تنبيه على أنه تعالى لما كان عالمًا بالسر والعلانية، وجب الحذر في كل ما يفعله الإنسان في السر والعلانية ثم ذكر بعد الوعيد الوعد، فقال: {واعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {واعلموا} إلى آخر الآية: تحذير من الوقوع فيما نهى عنه، وتوقيف على غفره وحلمه في هذه الأحكام التي بيَّنَ ووسَّعَ فيها من إباحة التعريض ونحوه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} قيل: المعنى ما في أنفسكم من هواهنّ، وقيل: من الوفاء والإخلاف، قاله ابن عباس: فاحذروه، الهاء تعود على الله تعالى، أي: فاحذروا عقابه.
وقال الزمخشري: يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه ولا تعزموا عليه. انتهى. فيحتمل أن تعود في كلام الزمخشري على ما لا يجوز من العزم، أي فاحذور ما لا يجوز ولا تعزموا عليه، فتكون الهاء في: فاحذروه ولا تعزموا عليه، عائدة على شيء واحد، ويحتمل في كلامه أن تعود على الله، والهاء في: عليه، على ما لا يجوز، فيختلف ما تعود عليه الهاآن، ولما هدّدهم بأنه مطلع على ما في أنفسهم، وحذرهم منه، أردف ذلك بالصفتين الجليلتين ليزيل عنهم بعض روع التهديد والوعيد، والتحذير من عقابه، ليعتدل قلب المؤمن في الرجاء والخوف، وختم بهاتين الصفتين المقتضيتين المبالغة في الغفران والحلم، ليقوي رجاء المؤمن في إحسان الله تعالى، وطمعه في غفرانه وحلمه إن زل وهفا، وأبرز كل معنى من التحذير والإطماع في جملة مستقلة، وكرر اسم الله تعالى للتفخيم، والتعظيم بمن يسند إليه الحكم، وجاء خبر أن الأولى بالمضارع، لأن ما يهجس في النفوس يتكرر فيتعلق العلم به، فكأن العلم يتكرر بتكرر متعلقه، وجاء خبر إن الثانية بالاسم ليدل على ثبوت الوصف، وأنه قد صار كأنه من صفات الذات، وإن كان من صفات الفعل. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنفُسِكُمْ فاحذروه} [235] أي علم ما في غيب أنفسكم قبل خلقه لكم من فعل حركة أو سكون بخير أمر به وأعان على فعله، وفعل ما نهى عنه، ولم يعصم من نزل به، وخلى من شاء مع الهوى لإظهار فعل ما نهى عنه، ولم يعصم عدلًا منه وحكمًا، فكان معنى قوله: {مَا في أَنفُسِكُمْ} [235] أي ما ستفعلونه، {فاحذروه} [235] أي اضرعوا إليه فيه حتى يكون هو الذي يتولى الأمر بالمعونة والتوفيق على الطاعة، ويعصم عن النهي بالنصر والتأييد.
ألا ترون إلى قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما: اللهم إن كنا عندك في أم الكتاب أشقياء محرومين فامْحُ ذلك عنا وأثبتنا سعداء مرحومين، فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت وعندك أم الكتاب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ابتدئ الخطاب باعلموا لما أريد قطع هواجس التساهل والتأول، في هذا الشأن، ليأتي الناس ما شرع الله لهم عن صفاء سريرة من كل دخل وحيلة، وقدم تقدم نظيره في قوله: {واعلموا أنكم ملاقوه} [البقرة: 223].
وقوله: {واعلموا أن الله غفور حليم} تذييل، أي فكما يؤاخذكم على ما تضمرون من المخالفة يغفر لكم ما وعد بالمغفرة عنه كالتعريض لأنه حليم بكم، وهذا دليل على أن إباحة التعريض رخصة كما قدمنا، وأن الذريعة تقتضي تحريمه، لولا أن الله علم مشقة تحريمه على الناس للوجوه التي قدمناها، فلعل المراد من المغفرة هنا التجاوز لا مغفرة الذنب؛ لأن التعريض ليس بإثم، أو يراد به المعنى الأعم الشامل لمغفرة الذنب والتجاوز عن المشاق، وشأن التذييل التعميم. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤال عن قوله: {أَوْ أَكْنَنتُمْ في أَنفُسِكُمْ} بعد جواز التعريض بالخطبة:

فإن قيل: إن التعريض بالخطبة أعظم حالًا من أن يميل قلبه إليها ولا يذكر شيئًا فلما قدم جواز التعريض بالخطبة كان قوله بعد ذلك: {أَوْ أَكْنَنتُمْ في أَنفُسِكُمْ} جاريًا مجرى إيضاح الواضحات.
قلنا: ليس المراد ما ذكرتم بل المراد منه أنه أباح التعريض وحرم التصريح في الحال، ثم قال: {أَوْ أَكْنَنتُمْ في أَنفُسِكُمْ} والمراد أنه يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك في المستقبل، فالآية الأولى إباحة للتعريض في الحال، وتحريم للتصريح في الحال، والآية الثانية إباحة لأن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك بعد انقضاء زمان العدة، ثم أنه تعالى ذكر الوجه الذي لأجله أباح ذلك، فقال: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} لأن شهوة النفس إذا حصلت في باب النكاح لا يكاد يخلو ذلك المشتهي من العزم والتمني، فلما كان دفع هذا الخاطر كالشيء الشاق أسقط تعالى عنه هذا الحرج وأباح له ذلك. اهـ.

.سؤال: ما معنى السر؟

والجواب: أن السر ضد الجهر والإعلان، فيحتمل أن يكون السر هاهنا صفة المواعدة على شيء: ولا تواعدوهن مواعدة سرية ويحتمل أن يكون صفة للموعود به على معنى ولا تواعدوهن بالشيء الذي يكون موصوفًا بوصف كونه سرًا، أما على التقدير الأول وهو أظهر التقديرين، فالمواقعة بين الرجل وبين المرأة على وجه السر لا تنفك ظاهرًا عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات، وهاهنا احتمالات:
الأول: أن يواعدها في السر بالنكاح فيكون المعنى أن أول الآية إذن في التعريض بالخطبة وآخر الآية منع عن التصريح بالخطبة.
الثاني: أن يواعدها بذكر الجماع والرفث، لأن ذكر ذلك بين الأجنبي والأجنبية غير جائز، قال تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} [الأحزاب: 32] أي لا تقلن من أمر الرفث شيئًا {فَيَطْمَعَ الذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
الثالث: قال الحسن: {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} بالزنا طعن القاضي في هذا الوجه، وقال: إن المواعدة محرمة بالإطلاق فحمل الكلام ما يخص به الخاطب حال العدة أولى.
والجواب: روى الحسن أن الرجل يدخل على المرأة، وهو يعرض بالنكاح فيقول لها: دعيني أجامعك فإذا أتممت عدتك أظهرت نكاحك، فالله تعالى نهى عن ذلك.
الرابع: أن يكون ذلك نهيًا عن أن يسار الرجل المرأة الأجنبية، لأن ذلك يورث نوع ريبة فيها.
الخامس: أن يعاهدها بأن لا يتزوج أحدًا سواها.
أما إذا حملنا السر على الموعود به ففيه وجوه:
الأول: السر الجماع قال امرؤ القيس:
وأن لا يشهد السر أمثالي

وقال الفرزدق:
موانع للأسرار إلا من أهلها ** ويخلفن ما ظن الغيور المشغف

أي الذي شغفه بهن، يعني أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن، قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد لا يصف نفسه لها فيقول: آتيك الأربعة والخمسة الثاني: أن يكون المراد من السر النكاح، وذلك لأن الوطء يسمى سرًا والنكاح سببه وتسمية الشيء باسم سببه جائز. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.فائدة في ألفاظ التعريض:

قال الشافعي: والتعريض كثير، وهو كقوله: رب راغب فيك، أو من يجد مثلك؟ أو لست بأيم وإذا حللت فأدريني، وذكر سائر المفسرين من ألفاظ التعريض: إنك لجميلة وإنك لصالحة، وإنك لنافعة، وإن من عزمي أن أتزوج، وإني فيك لراغب. اهـ.

.قال القرطبي:

استدلت الشافعية بهذه الآية على أن التعريض لا يجب فيه حَدٌّ؛ وقالوا: لما رفع الله تعالى الحرج في التعريض في النكاح دَلّ على أن التعريض بالقَذْف لا يوجب الحدّ؛ لأنّ الله سبحانه لم يجعل التعريض في النكاح مقام التصريح. قلنا هذا ساقط لأن الله سبحانه وتعالى لم يأذن في التصريح بالنكاح في الخِطبة، وأذن في التعريض الذي يفهم منه النكاح، فهذا دليل على أن التعريض يفهم منه القذف؛ والأعراض يجب صيانتها، وذلك يوجب حدّ المعرِّض؛ لئلا يتطرّق الفَسَقة إلى أخذ الأعراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح. اهـ.

.فائدة نفيسة في التصريح والتعريض:

قال ابن عاشور:
فإن قلتم حظر: صريح الخطبة والمواعدة، وإباحة التعريض بذلك يلوح بصور التعارض، فإن مآل التصريح والتعريض واحد، فإذا كان قد حصل بين الخاطب والمعتدة العلم بأنه يخطبها وبأنها توافقه، فما فائدة تعلق التحريم والتحليل بالألفاظ والأساليب، إن كان المفاد واحدًا قلت: قصد الشارع من هذا حماية أن يكون التعجل ذريعة إلى الوقوع فيما يعطل حكمة العدة، إذ لعل الخوض في ذلك يتخطى إلى باعث تعجل الراغب إلى عقد النكاح على المعتدة بالبناء بها؛ فإن دبيب الرغبة يوقع في الشهوة، والمكاشفة تزيل ساتر الحياء فإن من الوازع الطبيعي الحياء الموجود في الرجل، حينما يقصد مكاشفة المرأة بشيء من رغبته فيها، والحياء في المرأة أشد حينما يواجهها بذلك الرجل، وحينما تقصد إجابته لما يطلب منها، فالتعريض أسلوب من أساليب الكلام يؤذن بما لصاحبه من وقار الحياء فهو يقبض عن التدرج إلى ما نهي عنه، وإيذانه بهذا الاستحياء يزيد ما طبعت عليه المرأة من الحياء فتنقبض نفسها عن صريح الإجابة، بله المواعدة فيبقى حجاب الحياء مسدولًا بينهما وبرقع المروءة غير منضى وذلك من توفير شأن العدة فلذلك رخص في التعريض تيسيرًا على الناس، ومنع التصريح إبقاء على حرمات العدة. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النساء}.
الزمخشري الكناية: هي أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له مثل: فلان جبان، القلب عظيم الرماد. والتعريض: أن يذكر شيئا يستدل به على شيء لم يذكره.
ابن عرفة: فلفظه يقتضي أن الكناية ترجع لدلالة المطابقة والتعريض لدلالة الالتزام ولهذا كان بعضهم يقول في قولك: رأيت أسدا يريد به رجلا شجاعا إنه مطابقة ويرد على من كان يقول: إنّه مجاز ولذلك فرقوا بين دلالة اللفظ وبين الدلالة باللفظ لأن المطابقة دلالة اللّفظ على تمام مسماه بالإطلاق وما عرض من جعله مجازا، إلا أنه فسر دلالة المطابقة بأنها دلالة اللّفظ على تمام ما وضع له أوّلا.
قلت: قال القزويني في الإيضاح الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك كقولك فلان: كثير رماد القدر، كناية عن الكرم. وطويل نجاد السيف كناية عن طول قامة الرجل. ومثله: بَعِيدَةٌ مَهْوَى القرط كناية عن طول قامة المرأة.
قيل لابن عرفة: هل يجوز لمن عنده أربع نسوة أن يعرض ويواعد خامسة؟
فقال: الظاهر الجواز وهو أخف من المواعدة في العدة لأن من تزوج في العدة تحرم عليه للأبد، ومن تزوج خامسة يجبر على تطليق واحدة ونكاحه صحيح، وأيضا فالمواعد في العدة غير قادر على تنجيز العقد عليها في الحال ومتزوج الخامسة قادر على تطليق واحدة في الحال ويتزوجها.
فإن قلت: ليس قادرا على أن يطلقها طلقة بائنة؟
قلنا: هو قادر على أن يطلقها بالثلاث.
قيل لشيخنا القاضي أبي عبد الله: محمد بن القاضي أبي العباس أحمد بن حيدرة كان يقول: هذا إذا كان التعريض من أحد الجانبين فقط. وأما إذا وقع منهما التعريض فظاهر المذهب أنه كصريح المواعدة.
فان قلت: إذا نفي الجناح في التعريض فأحرى أن ينتفي عما يخطر بالقلب فما فائدة عطفه عليه.
قلت: فائدته الإشعار بالتّسوية بينه وبين ما في النفس من الجواز أي هما سواء في رفع الحرج عن صاحبهما وعلى الحكم بتعريض الرجل للمرأة لأنه الأغلب والأكثر وجودا أن الرجال يخطبون النّساء فهو مفهوم خرج مخرج الغالب فيستفاد منه جواز العكس قياسا عليه.
قوله تعالى: {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}.
الزمخشري: المستدرك مقدر، أي فاذكروهنّ وَلكِن لاَ تُوَاعدوهنّ سِرّا.
قال ابن عرفة: هذا يتخرج من الخلاف في أنّ ما بعد لَكِن إن كان مناقضا لما قبلها جاز بلا خلاف وإن وافقه امتنع اتّفاقا فإن خالفه فقولان، ومفهومه تحريم المواعدة جهرا من باب أحرى.
قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
جلعها الزمخشري متصلا أمّا مستثنى من مصدر {تُوَاعِدُوهُنَّ} أي إلاّ مواعدة القول المعروف فينتصب على المصدر أو مفرعا من مجرور أي إلاّ بالقول المعروف فينتصب على إسقاط حرف الجر، ومنع انفصاله على استثنائه من سِرّا لعدم تسلّط العامل عليه فلا يجوز: لاَ تُوَعِدُوهُنّ إِلاّ التعريض.
ورده أبو حيان بمنع الحصر لأن المنفصل قسمان ما تسلط عليه العامل.
مثل: مَا رَأَيْتُ أَحَدا إِلاّ حِمَارا فالحجازيون أوجبوا نصبه والتميميون أجازوا اتباعه لما قبله. وما لم يسلط عليه العامل نحو ما زاد إلا ما نقص.
قلت: وعبر القرافي عمّا يتسلط عليه العامل بأن يكون الحكم على المستثنى بنقيض الحكم على المستثنى منه، وعمّا لا يتسلط عليه بأن يكون الحكم بغير النقيض مثل ما زاد إلا ما نقص، فالزيادة هي نقيض عدم الزيادة وذلك بعد أن قال: الاستثناء المتصل هو أن يكون الحكم على المستثنى بنقيض الحكم على المستثنى منه وأن يكون استثناء من غير الجنس فإن اختل أحدهما أو هما كان منقطعا ومثل الحكم بعدم النقيض فقول الله تعالى: {لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} فظاهره جواز أكل التجارة بالباطل وليس كذلك.
وتعقب ابن عرفة منع الزمخشري الانفصال وتعليله بأنه مشترك الالزام بين المتصل والمنفصل.
وأجيب عن ذلك بأن المفرّغ أصله مستثنى من شيء محذوف تقديره في الآية: وَلَكِن لاَ تُوَاعِدُوهُنّ سِرّا بشيء من الأشياء بالقول المعروف. ونظيره: ما مررت إلاّ بزيد، أي ما مررت بأحد فليس فيه مشترك الإلزام.
وتعقب ابن عرفة قول أبي حيان في: ما رأيت أحدا إلاّ حمارا بأن ذلك إنّما هو في النقيض.
قيل لابن عرفة: قد ذكر القرافي والشلوبين وغيرهما ومثلوه بقول الله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} فقال: هذا منفي، مع صحة قولك لا يذوقون إلاّ الموتة الأولى.
فقيل له: لايجوز لا يذوقون إلاّ الموتة الأولى؟
فقال: سقط فيها.
قلت: قال بعضهم: كلام أبي حيان صحيح وما تقدم للقرافي بيّنه.
قوله تعالى: {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النكاح حتى يَبْلُغَ الكتاب أَجَلَهُ}.
أبو البقاء: عقدة مصدر مضاف إلى المفعول، أو على إسقاط حرف الجر كقول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظلّه ** حتى أنال به كريم المأكل

أي وأظل عليه.
قيل لابن عرفة: تقدم النهي عن المواعدة في العدة وهي أدنى من هذا والنهي عن الأدنى يستلزم النهي عما فوقه من باب أحرى؟
فقال: دلالة المطابقة أقوى.
قيل له: والأول من دلالة المطابقة مثل: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} فقال: الصحيح عنهم أنّه من دلالة الالتزام؟
قال: والعزم منهم من يفسره هنا بالفعل وهو عقد النكاح. ومنهم من فسره بالنية، أي لا تنووا عقدة النكاح وهو الصحيح لأن العزم هو الجزم بفعل الشيء فهو أمر قلبي. قال الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} وَمما يؤيده هنا قوله: {واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنفُسِكُمْ فاحذروه}.
فدل على أنّه أمر قلبي.
وحكى ابن عطية عن ابن الجلاب: أن العقد في العدة يوجب حرمتها أبدا. وكان بعضهم يقيده بما إذا تعمد ذلك فإن وقع العقد خطأ لم يتأبد التحريم.
قيل لابن عرفة: الصواب العكس لأن النكاح متى كانت له شبهة تأبد فيه التحريم ومتى لم تكن له شبهة لم يتأبد التحريم؟
فقال ابن عرفة: ليس كذلك لأن عليه المعاقبة بنقيض المقصود.
قوله تعالى: {واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنفُسِكُمْ فاحذروه}.
عبر فيه بِ {اعْلَمُوا} وب {احْذَرُوهُ} تأكيدا في التنفير عن ذلك والعقوبة من المواطأة هنا على ما في النفس والإصرار عليه. اهـ.